أخبار

تشاد تطالب بخروج القوات الأمريكية ضربة جديدة أم مناورة اخرى

الحدث

طلبت السلطات التشادية سحب قوات العمليات الخاصة الأمريكية المتواجدة على أراضيها، والبلاد على ابواب الانتخابات التي تعد الأهم منذ سيطرة ديبي الأب في 1991.

بعد أسبوع واحد تقريبا من قرار السلطات الانتقالية في النيجر الذي يطالب بخروج القوات الأمريكية وإنهاء الوجود العسكري في النيجر ما اعتبره المحللون والمراقبون بأنه يقع في سياق التحولات الدولية، والتدافع الدولي على إفريقيا، قامت السلطات الانتقالية في تشاد أيضا في 18 أبريل بالطلب ذاته. حيث كتبت السلطات التشادية  رسالة إلى ملحق الدفاع الأمريكي في تشاد تهدد فيها بإلغاء اتفاقية وضع القوات بين البلدين، وعلى إثرها طلبت فيها من واشنطن سحب جميع قواتها من القاعدة الفرنسية في انجمينا.

التحليل

في منطقة متحركة تتصاعد فيها ديناميكيات متعددة، وفاعلين مختلفين، تتضارب مصالحهم في سباق السيطرة والهيمنة، واستراتيجيات تنسحب وأخرى تتموضع بشكل جديد، ما يخلق مزيدا حالة عدم اليقين، في المنطقة، مقروءاً مع الظروف الداخلية لتشاد وهي تستقبل انعقاد انتخابات ربما هي الأهم في سياق رسم صورة ووضع تشاد على مستوى الإقليم والقارة في المستقبل.

على الرغم من محاولة بعض التحليلات الغربية التقليل من أهمية الطلب التشادي، بتغيير صيغة الطلب بالتهديد، إلا أن مقابلة موقع  FRI “أر إف آي” مع رئيس الحكومة الانتقالية في تشاد تحدث بنبرة حادة إذ قال “ليس عبداً يريد تغيير أسياده” بعد توصيف ما جرى بانه محاولات لاستبدال القوات الأمريكية بأخرى روسية، ويمكن قراءة ما جرى في سياقات عدة، منها:

محركات الأوضاع داخل تشاد:

  • انتخابات الانتقال الدستوري: يأتي الحدث في وقت تمر فبه تشاد بمرحلة فاصلة وهي الانتقال من الحالة الانتقالية إلى الوضع الدستوري، فقد تم الإعلان عن إجراء انتخابات في منتصف مايو 2024 وإعلان ديبي الابن مرشحا، وشابت مرحلة الإعداد للانتخابات وتهيئة المسرح السياسي خلافات وتوترات أدت إلى مقتل المعارض يحي ديلو أحد أبرز المنافسين للرئيس الانتقالي محمد إدريس ديبي، في ظروف وصفتها الحكومة الانتقالية بتجاوز ديلوا وأتباعه كونهم حزب سياسي إلى جماعة مسلحة قامت بعمل إجرامي بهجومها على مقر القوات الأمنية، إضافة إلى مزاعم المعارضة باستبعاد لجنة الانتخابات لعدد 10 مرشحين للرئاسة بذرائع هدفها إبعاد المنافسين لمرشح الحكومة حسب تصريحات عدد غير قليل من المعارضين بما فيهم بعض المتحالفين سابقا.
  • دوافع زيارة موسكو: في نهاية يناير الماضي قام رئيس الانتقالية في تشاد بزيارة إلى موسكو ووصف روسيا بأنها دولة شقيقة ما أدى ذلك إلى تفسيرات شتى وعند سؤال ديبي عن إمكانية التعاون العسكري مع روسيا قال الأمر لا يقتصر على التعاون العسكري فقط. وهناك مجالات أخرى للتعاون، لقد تحدثنا عن أشياء كثيرة: التعاون العسكري، التعاون الاقتصادي، التعاون الدبلوماسي… أستطيع أن أقول لكم إنني راضٍ عن الزيارة. الأمر الذي زاد من شكوك حلفائه الغربيين عن نوايا وتوجهات تشاد المستقبلية والذي بلا شك يهدد النفوذ الغربي بل ربما يقضي عليه بالمرة إذا حدث فعلا.
  • قوة متعاقدة تصل انجمينا: تبعا لحالة الاضطراب وعدم القين في تشاد وحالة اشتباك المنطقة مع كل ما هو غربي وتوجه دول المنطقة شرقا، تداولت عدد من الوسائط خبر قدوم قوة من روسيا وهبوطها بانجمينا، ما زاد الشكوك وخلق حالة من الريبة، حيث أكدت مصادر موثوقة أن القوة ليست قوة روسية ولكنها قوات من المجر قدمت لحماية المرحلة الحرجة في فترة الانتخابات حسب محللين.

وضع البيئة الإقليمية

وجاء طلب تشاد في ظل بيئة إقليمية بدت فيها حساسية عالية في التخلص من حلفاء الأمس، ويأتي مطلب تشاد متسقا مع محيطها الذي بدا مصرا على بناء تحالفات جديدة على المستوى الدولي وبناء نظم داخلية جديدة ذات توجه عسكري، لا تتوفر فيه الحماسة نحو الديمقراطية اللبرالية، مع اشتداد الحركات المسلحة والمنظمات المتطرفة التي تنتشر في المنطقة طولا وعرضا، وتنافس الحكومات سطوة وقوة، بل وتسيطر على مساحات جغرافية واسعة من الإقليم، الأمر الذي خلق عدم ارتياح لدى الحفاء الغربيين، لمعرفتهم لاتجاه الولاءات السياسية الجديدة وخشية تمدد المنظمات الإسلامية المتطرفة كعامل إضافي، وقد حاولت الاستخبارات الأمريكية تسويق رواية تآمر الروس ضد تشاد عبر تقارير مررتها للسلطات في انجمينا، بحثا عن وسائل تعميق التعاون معها ومحاولة خلق حواجز ضد التغلغل الروسي واستكمال الحلقة بضم تشاد.

أهداف تشاد من وراء الطلب

من المؤكد في ثوابت السياسة والعلاقات بين فرنسا وحلفائها الذين تحولوا في تحالفاتهم عنها في منطقة غرب إفريقيا، أن العلاقات أكثر ثباتا واستقرارا بين فرنسا وتشاد أكثر من أي دولة اخرى، حسب تقييمات الخبراء، خاصة بعد استقرار جزء أو كل القوات الفرنسية المنسحبة من النيجر في تشاد حسب تقارير عديدة، إضافة إلى حالة الخلافات التي لم تحسم بعد داخليا، كل هذا يدعوا إلى الاعتقاد بأن ما ذهبت تشاد مؤخرا لا يعدوا ان يكون ممارسة ضغوط على الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين، خاصة في ظل حاجة البلاد إلى دعم في المجال الأمني في الفترة القادمة التي قد تشهد فيه البلاد بعض الاحتجاجات رفضا لعض ما يعتقده المعارضون ممارسة تعسف ضد المرشحين وانعدام العدالة في إتاحة الفرص أما الجميع كما ينبغي.

خلاصة

يقتضي سياق المصلحة الآنية والمستقبلية ربما أن تحافظ تشاد على وجود القوات الأمريكية والفرنسية التي من شانها أن تساعد على توازن وضبط الأوضاع الأمنية في البلاد في ظل تربص كل الأطراف لحسم السيطرة على المنطقة، وهشاشة الأوضاع في محيطها ابتداء بالسودان وإفريقيا الوسطى وليبيا وأخيرا النيجر، ولعل هذا هو ما تعمل على تحقيقه رغم تعدد الزوايا التي ينظر منها طل طرف للأحداث، خاصة وأن سلامة الانتخابات وعدم تعرض البلاد لأي اضطراب أمني فيها يعتبر أمرا حاسما لضمان الانتقال الدستوري دون عوائق تعمل على تمديد الفترة الانتقالية التي استطالت لثلاث سنوات.

وفي الوقت ذاته، قد يقرأ المشهد من زاوية مختلفة تتمثل في محاول الحكومة الانتقالية التنشادية إلى وجود حليف استراتيجي احتياطي قد يساعدها في الخروج من مأزق انتقال السلطة إذا ما سعت فرنسا للعب مع أطراف أخرى يحتمل أن يكونو بدلاء عن الطقمة الحاكمة الآن، وفي هذه الحالة ستكون روسيا وشركتها الأمنية “فاجنير” هي البديل الأمثل.

اترك تعليقاً

إغلاق