أخبار

القمة التشاورية الثلاثية الأولى بين تونس وليبيا والجزائر قراءة في الحدث

انعقدت قمة تشاورية ثلاثية أولى بين كل من الرئيس التونسي قيس سعيد والرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي في قصر قرطاج بتونس يوم 22 أبريل 2024. وقد جاء قرار انعقاد هذه القمة على إثر اتفاق القادة الثلاث على هامش انعقاد قمة الغاز بالجزائر في مطلع شهر مارس الماضي على الاجتماع كل ثلاث أشهر في إحدى العواصم الثلاث وكانت البداية من تونس.

هذا الاجتماع كان محوره الرئيسي التعاون الأمني على الحدود المشتركة للدول الثالث وخاصة فيما يتعلق بمكافحة الهجرة الغير شرعية والجريمة المنظمة.

ولكن هذا الاجتماع المغاربي الثلاثي الذي غابت عنه كل من المغرب وموريتانيا التي تعانيان أيضا من نفس المسألة أثار العديد من الانتقادات والتأويلات. حول مستقبل الاتحاد المغاربي والعلاقات بين الدول المغاربية.

مشاكل حدودية بين تونس وليبيا:

تأتي هذه القمة الثلاثية التشاورية بين البلدان الثلاثة في ظل أزمات عديدة وكبرى وخاصة فيما يتعلق بالتعاون الأمني على المستوى الحدودي، ففي حدود تونس الجنوبية الشرقية بينها وبين ليبيا وتحديدا معبر رأس الجدير المغلق بين البلدين منذ ثلاث أسابيع.

هذا المعبر الذي يعتبر شريان الرئيسي الحياة بالنسبة للمنطقة الجنوبية الشرقية لتونس وأهم نقطة للتبادل التجاري بين البلدين، وهو معطل حركة المواطنين بين البلدين وخاصة الليبيين الذين يتوافدون على العلاج في تونس، كما تسبب في شلل اقتصادي كبير في مناطق الحدودية التونسية .

وقد بدأت الأزمة في المعبر على إثر اندلاع اشتباكات بين  ميليشيات مسلحة في منطقة الغربية لليبيا مع القوات التابعة للحكومة الوطنية في طرابلس لسيطرة على المعبر.

زيارة ميلوني وملف المهاجرين:

أما الحدث الثاني وهو الذي يتصل مباشرة بأهم نقطة تم نقشها في القمة الثلاثية ملف المتعلق بالمهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء، ففي 17 أبريل أي قبيل أسبوع من الاجتماع الثلاثي، زارت رئيسية الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني تونس، وهي زيارة الرابعة لها لتونس في أقل من عام وكان موضوع الزيارة يتعلق بالهجرة الغير شرعية.

وتندرج هذه الزيارة ضمن الضغوطات الأوروبية على تونس في مجال مطفاحة الهجرة الغير الشرعية نحو أوروبا، كما هناك العديد من المتابعين يشيرون إلى رغبة أوروبية إيطالية لتحويل تونس إلى أرض تحتضن مخيمات المهاجرين ومكافحة الهجرة من سواحلها أمنيا وعسكريا. وبما أن كل من ليبيا والجزائر تعتبر أهم نقطة لعبور المهاجرين الوافدين من جنوب الصحراء نحو تونس، كما أن ليبيا تشترك أيضا مع تونس في نقطة قرب سواحلها من إيطاليا، فلا يمكن قراءة هذا الاجتماع بمعزل عن زيارة ميلوني.

الأزمات السياسية في الاتحاد المغاربي:

وبالرغم من أن المغرب وموريتانيا تعنيان أيضا من أزمة الهجرة، إلا أنهما الطرفيين الرئيسيين الغائبين عن هذه القمة، فقد أكدت العديد من المصادر الغير رسمية على تلقي الرباط ونواكشوط دعوة من تونس لحضور القمة إلا أن المصادر الرسمية لا تؤكد ولا تنفي هذه المعلومة.

من جهة أخرى تشهد العلاقات بين قرطاج والرباط فتور منذ سبتمبر 2022 وإلى حد هذه اللحظة لا يوجد لكلا البلدين سفراء بعد أن تم سحبهما منذ ذلك التاريخ، أما الجزائر والمغرب فكلهما يعيش أزمة سياسية وعلاقات مقطوعة منذ اندلاع مشكلة الصحراء الغربية التي بدورها تعطل أي مشروع مشترك مغاربي وحتى أدت إلى وأد الاتحاد.

أما موريتانيا فقد أكد العديد من الخبراء فيها أن الشيخ ولد الغزواني تفادى الحضور للحفاظ على علاقات متوازنة مع كل من الرباط والجزائر، وهذا هو نهج نواكشوط السياسي فيما يتعلق بالأزمة بين البلدين لذلك تم اختيار عدم الحضور.

أما بالنسبة لليبيا فقد سارع رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي بعد نهاية اللقاء الثلاثي بتوجيه رسائل لكل من الملك المغربي والرئيس الموريتاني، يؤكد فيها على أهمية الاتحاد المغاربي وتقوية التعامل مع البلدين وليبيا.

فيما لم تصدر أية ردة فعل رسمية عن المغرب تجاه هذه القمة، إلا أن العديد من الجهات الغير الرسمية في المغرب اعتبرت أن هذه القمة بمثابة رصاصة الرحمة لمشروع الوحدة المغاربية ولمنظمة الاتحاد المغاربي، وبأنها حركة خاصة من تونس تزيد من تعميق الأزمة السياسية بينها وبين الرباط.

مخرجات القمة ونتائجها:

التعاون الأمني ومكافحة الهجرة الغير شرعية:
أكدت مخرجات اللقاء على ضرورة توحيد المواقف وتكثيف التشاور والتنسيق لتدعيم مقومات الأمن والاستقرار والنماء بالمنطقة وتعزيز مناعتها، مع بروز متغيرات ومستجدات إقليمية وأزمات دولية متلاحقة، في خطوة تطرح إمكانية إبرام اتفاقية أمنية مشتركة بين هذه الدول في اللقاءات المقبلة.

كما ندد اللقاء بتداخلات الخارجية في الشأن الليبي ومحاولة ايجاد أرضية لجمع الفرقاء في ليبيا للخروج بحل للأزمة الليبية، كما أن الدول الثالث ترمي إلى تكوين رأي موحد في القضايا الإقليمية والدولية وحتى على المستوى التنموي والاقتصادي لهم.

إدانة الانتهاكات والإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني في حق الشعب الفلسطيني، والمطالبة العاجلة بالوقف الفوري لإطلاق النار. والتحذير من خطورة التدخلات الخارجية في منطقة الساحل والصحراء وتبعاتها على السلم في دول المنطقة والعالم، والتشديد على ضرورة دعم أمن واستقرار دول المنطقة.

كما تم الاتفاق على “تكوين فرق مشتركة من أجل تنسيق الجهود لتأمين الحدود المشتركة من مخاطر وتبعات الهجرة غير النظامية”، و”وضع مقاربة تنموية لتنمية المناطق مع العمل على توحيد المواقف والخطاب في التعاطي مع مختلف الدول الشقيقة والصديقة المعنية بظاهرة الهجرة”، و”تكوين فريق عمل مشترك لصياغة آليات إقامة مشاريع واستثمارات كبرى مشتركة في مجالات وقطاعات ذات أولوية (الحبوب والعلف وتحلية مياه البحر)، و”التعجيل بتفعيل مشروع الربط الكهربائي بين الدول الثلاث”.

مستقبل الاتحاد المغاربي:

وإن كثر الكلام حول إمكانية أن تكون هذه القمة الثلاثية المغاربية بديل أو دفن لمشروع الاتحاد المغاربي، فهو حاليا مستبعد ولا يمكننا مقارنة المنظمة بهذه القمة، فهذا القمة أطلق عليها فقط لفظ القمة التشاورية وبالرغم من أنها مزمع أن تنعقد ثلاث أشهر، فهي تقتصر فقط على لقاءات بين رؤساء ولا تمتلك مؤسسات أو هياكل، على الغرار الاتحاد المغاربي الذي يمتلك هيئات ومؤسسات تابعة له.

ولكن اقتصار هذه القمة على ثلاث دول مغاربية من أصل خمسة يندرج ضمن سياق الأزمات التي تعيشها العلاقات بين كل من تونس والمغرب من جهة، والجزائر والمغرب من جهة أخرى، كما يبقى ملف الصحراء الغربية هو أكبر عائق وحاجز أمام أي مشروع مغاربي مشترك أو إعادة إحياء الاتحاد.

خاتمة: 

كان أبرز ملف يطرح في هذا اللقاء التشاوري الثلاثي هو ملف الهجرة الغير الشرعية سواء من سواحل الشمالية لإفريقيا أو للهجرة القادمة من إفريقيا جنوب الصحراء، وتعتبر كل من السواحل التونسية والليبية هي الأبرز في الوصول إلى السواحل الإيطالية، أما المسألة الثانية المتعلقة بهجرة القادمة من الصحراء فهي مسألة تتعلق بكل من الجزائر وليبيا نقاط العبور نحو تونس، وقد تتعمق الازمة أكثر خاصة بعد إلغاء النيجر قانون الذي يعاقب على تهريب البشر وإطلاقها لسراح كبار المهربين وهو ما ينذر بمزيد من تدفق موجات المهاجرين.

من جهة أخرى لا يمكن لهذا التكتل الثلاثي أن يوازي الاتحاد المغاربي أو أن يعوضه ولكن يجدر في المستقبل توسيع هذا التحالف ليحتوي كل من الرباط ونواكشوط.

اترك تعليقاً

إغلاق