أخبارمحاضرات وندوات

تقرير الندوة السياسية حول الأزمة السياسية في النيجر: الآفاق المحلية وتداعياتها الإقليمية والدولية

نظم المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات ندوة سياسية حول” الأزمة السياسية في النيجر: الآفاق المحلية وتداعياتها الإقليمية والدولية ” وهي الندوة التاسعة ضمن الندوات الشهرية التي ينظمها المركز. وقد تمت أشغال هذه الندوة عبر تقنية زووم بتاريخ 6 أغسطس 2023 ودامت قرابة ساعتين ونصف، شارك فيها عدد من الأكاديميين ومن المختصين في الشأن النيجري ونشطاء سياسيين من دول الساحل الإفريقي وتحديدا تشاد.

استهلت أشغال هذه الندوة بكلمة ترحيبية من الأستاذ محمد صالح عمر مدير المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات، والذي بدأ بشكره لأساتذة المتحدثين وبحضور الندوة وقام بتقديم أهم المحاور التي طرحت في الندوة، رفقة فقرة تمهيدية للموضوع تعرف بأهم المراحل السياسية والحدث الأخير الذي شهدته النيجر والذي تمثلت في الانقلاب الذي تم آواخر شهر يوليو 2023.

مرحلة الحكم العسكري في جمهورية النيجر

افتتحت فقرات الندوة بمداخلة الدكتور إدريس آيات أكاديمي وباحث نيجري من جامعة الكويت، متخصص في القضايا الاستراتيجية والأمنية الأفريقية. وتناولت مداخلة الأستاذ المحور الأول للندوة، وهو لمحة عن الشأن الداخلي الذي أدى إلى حدث 26 يوليو 2023، حيث قدم لمحة تاريخية عن الأطوار السياسية التي مرت بيها النيجر، فقد تحصلت النيجر على استقلالها منذ 63 عام ومع ذلك عاشت 36 سنة تحت حكم العسكر، والبقية أتت على إثر عملية تحول ديمقراطي، فتاريخ النيجر مزيج بين الحكم المدني والعسكري، ولكن يغلب عليه الطابع العسكري.

وأضاف الدكتور آيات في مداخلته أن للعسكر تاريخ مشرف في النيجر وذلك من ناحية الوطنية، فأغلب القيادات العسكرية التي حكمت البلاد كانت شخصيات وطنية، موالية للوطن وتهتم بهموم المواطن وضرب منهم مثال الرئيس “سيني كونتشي” الذي حكم (1974من – إلى1987) بالرغم من خلفيته العسكرية إلا أن فترة حكمه كان تتسم بالشفافية والمسألة الحكومية.

مرحلة الحكم المدني وأسباب حركة 26 يوليو 2023

وأضاف الدكتور آيات أن في انقلاب سنة 2010 على الرئيس محمد تانجا الذي حكم (1999-2010) مثلت محاولة فصل المدني عن العسكري في النيجر، وقد قام بهذا الانقلاب الجنرال ” سالو جيبو” الذي حكم (2010-2011)، وكانت المخابرات الفرنسية هي التي تقف وراء هذا الانقلاب بسبب الثروات في النيجر (اليورانيوم- النفط)، إذ يعتبر “تانجا” من الرؤساء الوطنين في تاريخ جمهورية النيجر. ففي بداية حكم “تانجا” عرفت النيجر العديد من الإصلاحات السياسية والاقتصادية، مما أدى إلى ارتفاع الناتج المحلي ودخل الفرد في البلاد، وكان ينوي القيام بالعديد من المشاريع الوطنية من ضمنها تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة الكهربائية للنيجر لكنه لم يتمكن من انهاء هذا المشروع، على الرغم من رغبة الراي العام النيجري بمنحه فترة استكمال البرامج الطموحة وأكد الدكتور آيات أن أهم الأسباب التي تقف وراء الانقلاب على “تانجا” تتمثل في اعطائه عقود النفط للشركات الصينية عوض الشراكات الفرنسية، أما السبب الثاني فهو يتمثل في محاولته المطالبة بمراجعة اتفاقيات اليورانيوم مع فرنسا التي تقوم الشركة الفرنسية باحتكار بيع واستخراج اليورانيوم في الخارج.

أدت هذه الحركة الانقلابية مع وصول حزب النيجري للديمقراطية والاشتراكية للحكم إلى خلق منظمة جديدة داخل الجيش ” المخابرات العسكرية”، كم تم خلق تراتبية داخل الإدارة في النيجر لعزل كل ما هو مدني عن العسكري وتم ذلك على يدي الرئيس محمد يوسفو (2011- 2021)، ولكن فرع المخابرات العسكرية اشتهر بعزل كل عسكري يبدي تذمرا أو رفضا لفرنسا، وقد فتح الحزب الأبواب أما فرنسا لإنشاء قواعد عسكرية في النيجر، ومن ثم صعد إلى الحكم الرئيس ” محمد بازوم” (2021-2023) من نفس الحزب الذي يتبع سابقه “محمد يوسفو، ويشكك الدكتور آيات في وصل “بازوم” إلى الحكم بطريقة ديمقراطية، فقد اعتبر أن محمد يوسفو قد سلم الحكم لوليه عهده بازوم ولم تكن العملية عملية تسليم سلطة بطريقة ديمقراطية بل مجرد “خلافة” لولي عهد على حسب تعبيره.

فمحمد يوسفو وإن غادر السلطة نظريا فهو لم يغادرها تطبيقا وبقي يمتلك نفوذ كبير جدا سواء سياسيا وداخل المؤسسة العسكرية، وأكبر الأدلة على ذلك أن العديد من القيادة العسكرية والسياسية لوحظت خلال الآونة الأخيرة ترددها على مقر جمعية “يوسفو”، طالبة الأخيرة التدخل والعودة إلى رئاسة البلاد، فما من خصائص الرئيس ” بازوم” استقلاليته وطباعه العنيدة، كما أنه لا يمتلك ثقل شعبي (قبلي) كبير، فالقاعدة الشعبية التي أوصلت الرئيس “بازوم” للحكم هي قاعدة التابعة ل”يوسفو”، وأكبر الأدلة على تدخل “يوسفو” في الحكم هو تأخر “بازوم” في تعيين حكومة لمدة 6 أشهر بسبب ضغط “يوسفو” لإبقاء بعض الوزراء في مناصبه، ومع تعيين “بريجي رافيني” رئيس الوزراء، الذي كان في السبق ضمن التركيبة الوزارية “ليسفو” والمعروف بولائه لفرنسا.

ففي الآونة الأخيرة كان هناك صراع عرفه المشهد السياسي النيجري بين الرئيس السابق “يسوفو” والرئيس “بازوم” والموالين لهم، ومع ذلك كانت الدولة تحت سلطة الجماعة الاثنية التي ينتمي إليها الرئيس “يسوفو” الهوسا وهي أكبر اثنية في النيجر، إذ يتواجد أفرادها في كل المواقع الإدارية والرسمية داخل الدولة، في حين ينتمي “بازوم” إلى عرب الديفا وهي جماعة اثنية لا يتجاوز عددها 1 % من نسبة سكان البلاد.

ومع ذلك فإن التفسيرات الرامية إلى أن سبب الانقلاب كان لخلفية الرئيس “بازوم” بسبب انتمائه العرقي تفسير خاطئ، فالهوسا التي تمثل الأغلبية داخل الحزب صوتت ل”بازوم” ضد “يسوفو” لكي يصعد للحكم وذلك بسبب انتمائه الحزبي تمكن للوصول إلى الرئاسة وليست الحسابات الاثنية هي التي أوصلته، والنيجر دول متماسكة اجتماعيا والانتماء الحزبي يغلب فيها كل شيء. وإنما الأسباب التي دفعت بوقوف ضد “بازوم” أسباب أخرى تعود لعناد “بازوم” واستقلاله بالرأي، وخاصة التغييرات التي قام بها داخل مؤسسات الدولة من تعيينات وعزل وبسبب تصريحاته الصحفية حول ضعف الجيش أمام الجماعات الإرهابية في البلاد ومفاوضته المباشرة مع هذه الجماعات حول تبادل الرهائن والتي كانت تدار من قبل فرنسا في علاقة مع الرئاسة من دون الجيش وهذا ما كان يرفضه مكون كبير داخل الجيش النيجري، تسبب في ظهور معارضة له داخل حزبه وداخل المؤسسة العسكرية، ولذلك في بداية العملية التي حدثت في 26 يوليو 2023 كانت ترمي إلى الضغط على “بازوم” للتراجع عن سياسته الحالية ولكن بسبب شخصيته العنيدة تحولت الحركة إلى إزاحته من الحكم، وساهمت كل هذه العوامل في انضمام العسكرين إلى الحرس الرئاسي ومساندتهم في الانقلاب.

التداعيات الإقليمية والدولية للأزمة في النيجر

أما المداخلة الثانية في الندوة فكانت للأستاذ إبراهيم زين كونجي كاتب وناشط ساسي تشادي حول التداعيات الإقليمية للأزمة، حيث أكد الأستاذ كونجي على ترابط النسيج المجتمعي النيجري مع كل دول المنطقة، وهو ما يجعل أي حدث في النيجر ينعكس على كامل منطقة ودول الساحل الإفريقي.

مضيفا أن العامل المشترك أيضا بين كل دول المنطقة بصفة خاصة ووسط وغرب إفريقيا بصفة عامة، يتمثل في المشترك التاريخي وهو الموروث الاستعماري الفرنسي، إذ تحصلت كل هذه الدول على الاستقلال في ستينيات القرن الماضي، ولكن هذا الاستقلال صوري فقد واصلت فرنسا في هيمنتها ووضع يديها على ثروات هذه الدولة حتى بعيد الاستقلال، ولطالما كانت باريس تقف وراء الكل الانقلابات والحروب الأهلية التي حصلت في هذه المنطقة.

وقدم الأستاذ كونجي بإعطاء لمحة تاريخية حول دور فرنسا في كامل المنطقة وأساليبيها في اختراق النسيج المجتمع الأفريقي، كما أعطى حوصلة حول تاريخ السياسي لدولة النيجر، وصولا إلى الرئيس “يسوفو” الذي أكد على أن فرنسا هي من جلبته إلى سدة الحكم، حتى “محمد بازوم” فرنسا من جعلته رئيسا للدولة، والدليل أنه سلم نفسه والبلاد لفرنسا لتفعل بهما ما تشاء.

وأشار الأستاذ بأن فرنسا خلال بداية الانقلاب باقية في موقع المتفرج ولم تتخذ أية موقف، لأن فرنسا تمتلك عديد العملاء داخل الجيش والمؤسسات الحاملة للسلاح في النيجر مما جعلها مطمئنة في البداية، ولكن النقاش الذي دار بين الحرس الرئاسي والعسكريين جعل الجميع يقدمون تنازلات كبيرة جدا على حساب مصالحهم وارتباطاتهم الشخصية، وتنازل العديد منهم عن رتبهم وأصبحوا أعضاء في المجلس العسكري الحالي.

أما المداخلة الثالثة فكانت للأستاذ جبرين عيسى، وتناول فيها الأستاذ خلال مداخلته المقاربة الأمريكية في الانقلاب الذي حصل في النيجر، حيث استعرض الأستاذ أهم الخطوات التي اتخذتها الإدارة الأمريكية عقب الإعلان عن الانقلاب، فقد ظلت واشنطن تراقب في صمت مجرى الأحداث إلى حدود يوم 29 يوليو 2023، وبالرغم من إدانتها فيما بعد للانقلاب إلا أنه برتوكول صوري، فهي اكتفت فقط بتعليق المساعدات العسكرية على نيامي وبقيت بقية أنواع المساعدات الأخرى، كما أنها لم تدفع إلى العمل العسكري، وهي تقوم بالضغط على نيجريا بعدم التدخل.

وعن التحركات الأمريكية أضاف الأستاذ جبرين بأن واشنطن لم تقوم بإجلاء لا رعاياها المدنيين ولا حتى العسكريين من النيجر، وهو ما يوجه نحو الإقرار بوجود موقف أمريكي مساند لحركة 26 يوليو 2023 للانقلاب على فرنسا، بالرغم من أن فرنسا كانت لاعب أمريكا في إفريقيا، ولكن في السنوات الأخيرة تولد يقين لدى واشنطن بأنه وجب عدم ترك المجال الجيوسياسي في إفريقيا لفرنسا، وخاصة مع تغلغل كل من الصين وروسيا في القارة، دفع بالولايات المتحدة إلى بسط في نفوذها والتمدد داخل إفريقيا.

وأكد الأستاذ جبرين على أن المقاربة الفرانكفونية القائمة على الأمن ونهب الثروات وإبقاء الدول الإفريقية تحت وطئت الفقر والتخلف المدقع قد انتهت ولى زمانها، وقد حلت في المنطقة لاعبون وفاعلون دوليين جدد.

وقبل الختام خاطب الحضور مدير المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات شاكرا المتحدثين والمعقبين والمتداخلين. وفي الأخير وجه مدير المركز بعض الأسئلة والتعليقات حول الموضوع وتوجه بالشكر لكافة الحضور من الباحثين والمهتمين بالشأن النيجري بصفة خاصة والإفريقي بصفة عامة من المتداخلين والمتابعين.

وبعد انتهاء هذه المداخلات الرئيسية، تم فتح باب المداخلات أمام الحضور للتعقيب والنقاش، ليتداخل الحاضرين بتساؤلاتهم وإضافاتهم حول الاستفتاء في جمهورية إفريقيا النيجر، بحيث عملت مداخلات الحضور على مقاربة الموضوع من مختلف زواياه، وقدمت وجهات نظر مختلفة حول هذا الموضوع. وتم إعطاء الكلمة الأخيرة للمتحدثين والمعقبين للإجابة عن الأسئلة وتقديم كلماتهم وتعليقاتهم الختامية حول موضوع الندوة.

المصدر: المركز الإفريقي للابحاث ودراسة السياسات

اترك تعليقاً

إغلاق