أخبارالسودانتحقيقات وتقارير

معركة السيطرة على الخرطوم – الحرب في السودان مع بداية الشهر الثالث

مقدمة
شهد السودان أسبوعا تميز بالنشاط الدبلوماسي أكثر من المواجهات العسكرية رغم استمرار العمليات العسكرية وإن كانت بوتيرة أقل، حيث أثارت مقررات قمة الإيغاد الرباعية خلافا كبيرا بين الحكومة السودانية ومنظمة الإيغاد لدرجة تهديد السودان لإعادة النظر في عضويته فيها، إلا أن قمة دول جوار السودان الذي دعت له مصر أنقذ الموقف، وأعاد بعض التوازن والثقة إلى المنابر التي تتبنى الوساطات ومعالجة الأزمة السودانية بأبعادها المختلفة، وملا حظة مهمة وهي تقدم الجيش عبر مختلف اسلحته، يتقدمها القوات الخاصة والتي أحدثت فارقا في توسيع نطاق المناطق الخالية من عناصر قوات الدعم السريع، ما أعاد الحياة إلى كثير من المناطق التي عانت من تفلتات مليشيا الدعم السريع.

وقائع العمليات العسكرية
شهد الأسبوع المنصرم تمشيطا واسعا لعدد من أحياء العاصمة المثلثة في مدنها الثلاث، في حملة أطلقها الجيش لإنهاء وجود الدعم السريع، حسب تصريحات قادة الجيش، وحققت الخطة نجاحات واضحة بعودة الحياة إلى طبيعتها في عدد من أحياء العاصمة ويبدوا وضاحا أن الجيش مصمم على محاصرة الدعم السريع وتضييق مناطق تواجده، وصولا إلى المرحلة النهائية من المواجهات التي قد تنتهي حربا أو سلما.
كما كانت المواجهات التي جرت الجمعة الماضية من أعنف واشد المعارك بين الجيش والدعم السريع منذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل الماضي
 الجيش يدمر رتلا من 12 عربة قتالية للدعم السريع في طريق جياد – الباقير بكامل عتادها عبر الطائرات المسيرة
 مسيرات للدعم السريع تشن هجوما على مجمع الطوارئ والإصابات بالسلاح الطبي ما أدى إلى قتل عدد من المرضى والمرافقين
• الجيش يضرب معاقل وارتكازات الدعم السريع بجبل أولياء
• معارك شرسة وعمليات واسعة سيطر بعدها الجيش على كبري الحلفايا من اتجاه الشرق والذي كانت تسيطر عليه قوات الدعم السريع، وهو الطريق الذي تدخل عبره كل تشوينات الدعم السريع من غرب السودان
• الجيش يشن عمليات واسعة بالطيران الحربي على مواقع تمركز الدعم السريع في مدينة بحري
• الجيش يسترد كبري شمبات بعد معارك شرسة وطاحنة ويشن هجوما على القوة المرتكزة اسفل كبري كوبر
• الجيش يضرب ارتكازات الدعم السريع في شرق النيل في المزدلفة والمايقوما
• نشرت قوات الدعم السريع بيانا على صفحتها الرسمية في الفيس بوك تقول فيه إنها تصدت لهجوم من القوات المسلحة استهدف مواقع تمركزها في مدينة بحري وسحقتها بالكامل واستولت على 130 مركبة عسكرية بكامل عتادها واسرت العشرات من بينهم ضابط برتبة عميد، وهو ما كذبته القوات المسلحة في بيان أوضحت فيه بأن مقدمة الجيش تعرضت لكمين ولكن كانت خسائرها محدودة.
• قوات الدعم السريع تقصف بعنف منازل مواطنين في أبو سعد والفتيحاب بأم درمان بقذائف من داخل مباني جامعة أم درمان الإسلامية
• الأجهزة الأمنية تلقي القبض على العميد معاش أحمد محمد عمر قائد قوات الدعم السريع التي هاجمت مطار مروي صبيحة 15 أبريل بعد توفر معلومات بوجوده متخفيا في أحد المنازل في الخرطوم.
• قوات الدعم السريع تعلن في بيان لها السيطرة الكاملة قيادة اللواء 61 بمدينة كاس بولاية جنوب دارفور.
• الدعم السريع يعلن انضمام قوات الاحتياطي المركزي قطاع الضعين للدعم السريع وبقوة تتكون من 250 فرد وعشر سيارات و6 دبابات.

الحراك السياسي والدبلوماسي
قمة رباعية الإيغاد وغياب الحكومة السودانية
في العاشر من يوليو الجاري انعقدت قمة الرباعية المكلفة من منظمة الإيغاد لملف أزمة السودان اجتماعا في العاصمة الإثيوبية أديس ابابا وسجلت الحكومة السودانية غيابا عن القمة لاعتراضها على رئيس اللجنة، وتبنى اللقاء في غياب ممثلي السودان، توجهات تمس سيادة البلاد حيث جاء في خطاب رئيس الوزراء الإثيوبي عدم اعتراف بالشرعية التي يمثلها المجلس السيادي، فضلا عن تبني القمة دعوة لانعقاد اجتماع لقوات شرق إفريقيا لدراسة إمكانية نشرها في السودان، و فرض منطقة حظر طيران وغيرها من المواقف التي تتبناها بعض القوى السياسية التي تقدم السند السياسي للدعم السريع.
كان رد الحكومة السودانية بالرفض القاطع لكل ما يمس سيادة البلاد، وعدم قبولها بأي مقترح لا يتم مشاورتهم فيه، مهددا بتجميد عضوية السودان في الإيغاد إذا تطلب الأمر وتمادت الرباعية في هذا الاتجاه. وذهب منبر الإيغاد في تأزيم الموقف بدلا من البحث عن مداخل لحل الأزمة.

قمة القاهرة مقابل الإيغاد
دول جوار السودان  تهز توجهات رباعية الإيغاد
ظلت مصر منذ اندلاع الحرب في ابريل تحاول جمع الاطراف المتصارعة وقبل ذلك حاولت معالجة احتكار قوى الحرية والتغيير الاتفاق الإطاري، كما ظلت تراقب عن كثب الوساطة الأمريكية السعودية التي لم تتجاوز الإطار الإنساني وتنفيذ بعض الهدن التي قل الالتزام بها، ولكن عندما برزت توجهات بالتدخل العسكري ونزع الشرعية من الحكومة الحالية، أقامت منصة ومنبرا جديدا أطلقت عليه قمة دول جوار السودان انعقدت في القاهرة في 13 يوليو الجاري، ووضعت حدا لقرارات الرباعية التي وضعت نفسها في خندق القوى المناوئة للجيش السودان حسب كثير من المراقبين للشأن السوداني.
وكان أهم قرارات القمة التأكيد على الاحترام الكامل لسيادة ووحدة السودان وعدم التدخل في شؤونه، والتعامل مع النزاع القائم باعتباره شأنا داخليا ورفض تدخل أي أطراف خارجية في الأزمة، بم يعيق جهود احتوائها ويطيل من أمدها.
ومن القرارات المهمة في قمة القاهرة تشكيل آلية وزارية بشأن الأزمة السودانية تبدأ اجتماعاتها في انجمينا عاصمة تشاد من أجل وضع خطة تنفيذية وحلول عملية قابلة للتنفيذ وتكليف لآلية اتصالات لبحث الاجراءات المطلوبة لمعالجة تداعيات الأزمة السودانية على مستقبل استقرار والمحافظة على مؤسسات الدولة.
حضر القمة في القاهرة رؤساء الدول السبع التي تجاور السودان ولم يتغيب أحد، وهو ما يدعم اتجاه ان يكون منبر القاهرة الأقرب للمساهمة في حل الأزمة السودانية أكثر من غيره
وهكذا سحبت القاهرة البساط من الإيغاد وربما من منبر جدة إذا تمكنت من إشراك أطراف جدة مستقبلا، كون مصر تعتبر أكثر الدول تضررا مما يجري في السودان وبالتالي فإن حرصها وخشيتها من تدهور الأوضاع سيكون عاملا حاسما في تجنيب السودان تداعيات أي تدخل خارجي يفاقم الأوضاع اكثر.

أصداء قمة القاهرة
جاءت التصريحات إيجابية من كافة الأطراف التي أصدرت بيانات وتصريحات حول قمة دول جوار السودان التي انعقدت في القاهرة.

مجلس السيادة
جاء في بيان مجلس السيادة ترحيب بمخرجات قمة جوار السودان التي انعقدت في القاهرة، وشكر مصر على المبادرة، وشكر دول الجوار التي أبدت مواقف داعمة لأمن واستقرار السودان والحفاظ على وحدة وسلامة وسيادته، وإن القوات المسلحة مستعدة لوقف العمليات العسكرية فورا إذا التزمت المليشيا المتمردة بالتوقف عن مهاجمة المساكن والأحياء والأعيان المدنية والمرافق الحكومية وقطع الطرق وأعمال النهب، والقوات المسلحة ملتزمة بابتدار حوار سياسي فور توقف الحرب وتشكيل حكومة مدنية تقود البلاد خلال فترة انتقالية تنتهي بانتخابات يشارك جميع السودانيين

وزارة الخارجية
علقت وزارة الخارجية السودانية على بيان قمة القاهرة بقولها: الدول التي شاركت في قمة القاهرة هي أكثر الدول التي تعلم ظروف وأوضاع السودان والشعب السوداني، وجاء البيان الختامي لقمة القاهرة متوازنا، ولم يتضمن أي إشارة سالبة تمس سيادة السودان وشعبه وأعلنت الخارجية في بيانها على استعداد حكومة السودان التام للتعاون مع الآلية التي قررت قمة القاهرة تشكيلها.

قوات الدعم السريع
اما الدعم السريع فقد جاء في بيانه دعوة لتكامل الجهود الدولية والإقليمية كافة بتوحيد المبادرات المطروحة لتسهيل وتسريع الوصول للعمل للحل الشامل خاصة مع منبر جدة ومبادرة الإيغاد، مؤكدا استعدادهم التام للعمل مع جميع الفاعلين في الداخل والخارج من أجل التوصل إلى حل جذري للأزمة عبر استعادة المسار المدني الديمقراطي واضاف: جاءت قمة دول الجوار متسقة مع الجهود الإقليمية والدولية المبذولة لوقف الحرب في السودان وتبني الحل الشامل أساس لمعالجة الأزمة السودانية.

الفريق الكباشي والتصريح المفاجئ
فاجأ الفريق الكباشي الأوساط المحلية والإقليمية والدولية بتصريح مفاجئ اختلف المحللون في أسبابه ودوافع، فمنهم من فسره بأن الكمين الذي تعرض له الجيش الجمعة في مدينة بحري كان سببا في ذلك ومنهم يرى أنه ليس أبعد من كونه مناورة سياسية لقادة الجيش ومنهم من اعتبره بداية عد تنازلي للحلول السلمية وغيره فما الذي قاله الكباشي؟
قال الفريق الكباشي في مقابلة مع قناة الجزيرة، بانهم منفتحون على أي مبادرة لوقف الحرب تضمن الحفاظ على السيادة الوطنية، وأن التآمر على البلاد كبير والقوات المسلحة تقوم بواجبها الدستوري، وأضاف ندعم الحوار السياسي الموسع والشامل والمبادرة السعودية الأمريكية متقدمة، وندعم حواراً يُفضي إلى تشكيل حكومة مدنية تقود المرحلة الانتقالية وتهيئ لانتخابات، والسودان يحتاج إلى جهود وطنية ومساندة خارجية لإعمار ما دمرته الحرب.

ردود وتفاعلات
ألقى الفريق الكباشي حجرا حرك مياه الساحة السودانية التي تصبح وتمسي على أخبار المواجهات العسكرية ويومياتها، وجاءت ردود الأفعال مرحبة بالتصريح، كأنها كانت تنتظر شيئا ما، وحظي التصريح بتاييد كاسح من القوى السياسية وعدد من الحركات المسلحة، وعلى راسها قيادات قوى الحرية والتغيير الذين رحبوا بالتصريح واعتبروه تصريحا مفتاحيا لكسر حالة الحرب والانتقال للحلول السلمية، وجاء على لسان خالد عمر يوسف أن التصريح خطوة مهمة في اتجاه وقف الحرب وفرصة لخيار الحل السلمي التفاوضي الذي يحقن الدماء وينقذ السودان من السير في طريق الانهيار الشامل، كما أثنى رئيس حزب الامة فضل الله برمة ناصر  في تصريح صحفي على حديث الكباشي، حاثا الجيش والدعم السريع على الاقبال نحو مفاوضات جدة. وبدء تفاهمات توصل لوقف اطلاق نار شامل وانهاء الحرب.
وجاء رد المستشار السياسي للدعم السريع على التصريح: نؤكد التزامنا التام بمنبر جدة والمبادرة السعودية الأمريكية لحل الأزمة السودانية وأن وفد الجيش في منبر جدة يمارس التضليل، ننزر بإيجابية لدعوة نائب قائد الجيش للحوار ونعتبرها خطوة في الاتجاه الصحيح للعمل على وقف الحرب.

حميدتي يعلن تشكيل لجنة
وفي تسجيل جديد منسوب لقائد الدعم السريع قال حميدتي: نظرا للتطورات التي تشهدها البلاد بسبب الحرب والتي تقتضي إنهاؤها إجراء مشاورات واسعة النطاق بغية معالجة جذور الأزمة الوطنية المتراكمة قررت تشكيل لجنة مهامها:
• عقد مشاورات بشأن الأزمة السودانية المستمرة والحرب الراهنة والسبيل الأمثل للوصول لحل شامل يعالج الأزمة من جذورها بمشاركة جميع القوى السياسية والشبابية والمجتمعية
• اللجنة برئاسة يوسف عزت وعضوية كل من لنا مهدي وبلة محمد وفاطمة علي. على أن تستعين بمن تراه مناسبا.

الجنائية الدولية تجري تحقيقا
نشرت تقارير للأمم المتحدة تفيد بتلقيها تقارير موثوقة بدفن 87 جثة لقتلى من قبيلة المساليت وقبائل أخرى في مقبرة جماعية خارج مدينة الجنينة، يُعتقد بأنهم قتلوا بواسطة قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها، بين 12 و13 من يونيو الماضي وجاءت أوامر الدفن من قبل الدعم السريع، وتشير التقارير إلى أن السكان المحليين أُجبروا على التخلص من الجثث في مقبرة جماعية مما حرم الموتى من أن يُدفنوا في إحدى مقابر المدينة بكرامة.
وعلى إثر ذلك أعلن المدي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان فتح تحقيق بشأن المزاعم بارتكاب جرائم حرب في سياق الحرب الدائرة في السودان، وخاصة ما جرى في مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور.
وأشار كريم خان إلى أن هذه التحقيقات التي فتحتها المحكمة تتعلق بالكثير من الادعاءات بشأن عمليات النهب والقتل بلا محاكمة وإحراق الديار في ولايتي غرب وشمال دارفور، وأعلن تدشين حملة جديدة طالب من خلالها المواطنين وشجعهم على أن يُدلوا بمعلومات لمكتبه- بشكل آمن- من خلال بوابة تم إنشاؤها خصيصا لهذا الغرض وقال إنه أعطى تعليمات واضحة لأفراد مكتبه بأن يعطوا الأولوية للعنف الجنساني والعنف ضد الأطفال لا سيما العنف الجنسي  .

خلاصة
بين اقتراب ساعة الحسم التي توقعها الكثيرون، وشواهدها كثيرة على مستوى الميدان وتصريح الفريق الكباشي الذي كسر جمود الساحة السياسة وفتح بابا للجدال حول مقصود الرجل بتلك التصريحات، وتوسع المواجهات في غرب السودان، يظل الموقف غامضا، فلربما نشهد الفصل الأخير في فصول معركة السيطرة على الخرطوم بطريقة أو بأخرى خاصة وأن عدد من المبادرات النشطة لو تكاملت سيكون لها مفاعيل إيجابية في اتجاه إيقاف الحرب لأن الحرب حتى المنتصر فيها مهزوم.

المصدر: المركز الأفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي)

اترك تعليقاً

إغلاق